يوم النحر …وأعمال الحاج في يوم النحر
يوم النّحر يُمثِّل عيد الأضحى المُبارَك مرحلةً مُهمّةً بالنّسبة للمسلمين؛ حيث يأتي مقروناً بالحجّ أحد أهمّ أركان الإسلام وشعائره، الذي نال قُدسيّةً واهتماماً خاصاً. يبتدئ عيد الأضحى عند المسلمين من اليوم العاشر من شهر ذي الحجّة، ويستمرّ حتّى اليوم الثالث عشر من الشهر نفسه، ويُسمّى اليوم الأوّل فيه يومَ النّحر، أمّا الأيام الثلاثة الأخرى فتُسمّى أيّامَ التّشريق، وتتميّز أيّام عيد الأضحى عموماً ويوم النّحر خاصّةً بأنّ فيه تتِمّةً لأعمال الحجّ وشعائره؛ ففي يوم النّحر تُنحَر الأضاحي والقرابين لله سبحانه وتعالى؛ فالحاجّ يذبح فداءَ ما وقع به من أخطاء في حجّه هَدْياً، ويتقرَّب غير الحاجّ من الله بذبح الأضاحي، وفي يوم النّحر كذلك تُرمى الجمرات في مِنىً، إلى غير ذلك من الأعمال، فما هو يوم النّحر، ولِمَ سُمّي بذلك؟
تعريف يوم النّحر. يعني النّحر: الذّبح؛ وذبَحَ الكبشَ من نَحرَه، ويومُ النّحر: هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجّة، وقد سُمّي بذلك لما يجري فيه من نحر الهَدْي والأضاحي، وتوزيعها على الفقراء والمساكين،[١] وهو يومٌ يُتمّم فيه الحاجّ أعمال الحجّ بعد الانتهاء من وقفة عرفة عن طريق القيام ببعض الأعمال، ويوم النّحر يومٌ عظيم الفضل عند الله سبحانه وتعالى، حتى إنَّ بعض العلماء جعلوا فضل يوم النّحر أربى من فضل يوم عرفة -التاسع من شهر ذي الحجّة- وذلك لما جاء في الصّحيح المُسند من حديث عبد الله بن قرط، قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ أعظَمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ يومُ النَّحرِ ثمَّ يومُ القُرِّ، قالَ عيسى: قالَ ثورٌ: وَهوَ اليومُ الثَّاني)،[٢] ولِما رُوِي عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من حديث عبد الله بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: (وَقَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ، وَقَالَ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ).[٣][٤]
أعمال الحاجّ في يوم النّحر: يتميّز يوم النّحر عن غيره من أيّام عيد الأضحى المُبارَك التي تُسمّى أيّام التشريق بمجموعة من الأعمال التي ينبغي على الحاجّ القيام بها، ومن هذه الأعمال ما يأتي:[٤][٥] المبيت في مزدلفة: ينبغي على الحاجّ بعد الانتِهاء من الوُقوف بعَرفة أن يتوجّه إلى مزدلفة ويبات فيها،ويكون ذلك ليلة يوم النّحر، ويجوز للحاجّ أن يتحرّك منها بعد انتصاف الليل إن كان عاجِزاً عن المبيت، أو كانت لديه أعمالٌ تتعلّق بالحجّ. رمي الجمرات: حيث يرمي الحاجّ سبع جمرات -العقبة الأولى- في المكان المُخصَّص للرّمي، وذلك يوم النّحر، ويبدأ وقت رمي الجمرات من شروق شمس يوم النّحر ويستمر إلى زوال الشمس، فإن لم يَتمكّن من رمي الجمرات قبل زوال يوم النّحر جاز له أن يَرميها في وَقتٍ آخر من اليوم نفسه حتّى غروب الشمس، فإن عجِز عن ذلك لمرضٍ أو ازدحامٍ أو غير ذلك رماها أوّل أيام التّشريق.
طواف الإفاضة: لقوله سُبحانه: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)،[٦] ويبدأ وقت طواف الإفاضة بعد الانتهاء من المبيت في مزدلفة فوراً، ويجوز أن يقع في يوم النّحر -وهو الغالب- ويجوز للحاجّ أن يؤخّره عن يوم النّحر. السّعي بين الصّفا والمروة: بعد طواف الإفاضة يسعى الحاجّ بين الصّفا والمروة إن كان مُتمتّعاً بالحجّ -حجّ التمتُّع، فإن كان الحاجّ مفرداً أو قارناً فيكون سعيه بعد طواف القدوم عند دخول الكعبة مباشرةً لا يوم النّحر. حلق الشعر أو تقصيره: فبعد أن يُتمّ الحاجّ أركان الحجّ يجوز له التحلُّل من إحرامه بحلق شعره أو تقصيره، ويقع ذلك يوم النّحر أو بعده. أعمال غير الحاجّ يوم النّحر صلاة العيد قال تعالى مُخاطِباً نبيّه: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)،[٧] والمقصود بالصلاة هنا صلاة العيد، والمقصود بالنّحر هو ذبح الأضاحي، كما رُوِي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبو بكرٍ وعمَر رضي اللهُ عنهما، يُصلّونَ العيدَينِ قبلَ الخُطبةِ)،[٨] فكلّ ذلك يدلّ على مشروعيّة صلاة العيد في الأضحى وفي الفطر، وقد داوم عليها المسلمون منذ عهد سيّدنا محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى هذا اليو،[٩] أمّا وقت صلاة عيد الأضحى فابتداؤه يكون بعد شروق الشمس مباشرةً وارتفاعها بقدر رمح، وينتهي وقتها بزوال الشمس وميولها إلى منتصف السماء؛ أي عند الظهيرة.[١٠]
وبخصوص حُكم صلاة عيد الأضحى: فقد اختلف فيه الفقهاء على عدّة أقوالٍ، هي:[١١] الحنفيّة: قالوا إنّ صلاة العيد تجب على كلّ من وجبت عليه صلاة الجمعة. الشافعيّة: قالوا إنّ صلاة العيد سُنّةٌ مؤكّدة على الرجال والنساء. المالكيّة: يرون أنّ صلاة العيد سُنّةٌ مُؤكّدةٌ على من تجب عليه الجمعة، وتُؤدّى جماعةً. الحنابلة: يرون أنّ صلاة العيد فرض كفاية على من وجبت عليه صلاة الجمعة.
ذبح الأضاحي :ينبغي على المسلم في يوم النّحر أن يذبح البهائم والأنعام؛ تقرُّباً لله سُبحانه وتعالى، شريطة أن تكون تلك البهائم والأنعام ذات شروط مخصوصة، ويتمّ ذبحها في أوقات مخصوصة تكون بدايتها صبيحة يوم النّحر، ومن هنا جاءت تسميته بذلك كما سبقت الإشارة إليه.[١٢] ويكون التَّقرُّب من الله -سبحانه وتعالى- بذبح الأضاحي مُوزّعةً على أيّام عيد الأضحى، وغير محصورةٍ بيوم النّحر، إلا أنّ الغالب أنّ أعمال الذبح تكون فيه، كما إنّها تبتدئ فيه.[١٣]
مشروعيّة الأُضحية : جائزةٌ بالاتّفاق؛ لقول الله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ)،[١٤] وقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر)،[١٥] ويدلُّ على مشروعيّتها من السُّنة ما رُوِي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (كانَ يُضحِّي بِكَبشينِ أملَحينِ أقرَنَيْنِ، ويُسمِّي، ويُكَبِّرُ، ولقد رأيتُهُ يذبَحُ بيدِهِ واضِعًا قدمَهُ على صفاحِهِما).[١٦] وقد اختلف الفُقَهاء في حُكم الأُضحية مع اتّفاقهم على مشروعيّتها، وبيان ذلك على النّحو الآتي:[١٧] ذهب فقهاء الشافعيّة وعلماء المالكيّة والحنابلة إلى القول بأنّ الأُضحية سُنّة مُؤكّدة على القادر عليها، ودليلهم ما رُوِي عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حيث قال: (إذا دخلتِ العَشْرُ وأراد أحدكم أن يُضحِّيَ، فلا يَمَسَّ من شعرِه وبشرِه شيئًا).[١٨] ذهب علماء المذهب الحنفيّ، والإمام أحمد بن حنبل في رواية، وابن تيمية إلى أنّ الأضحية واجبةٌ على كلّ مسلمٍ قادرٍ عليها، ودليلهم قول الله سبحانه وتعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر).[١٩] التّكبير يُسَنُّ للمسلم الانشغال بالتّكبير ليلة يوم النّحر؛ لقوله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)،[٢٠] والتّكبير المُشار إليه هنا هو تكبيرٌ مُطلَقٌ في أحوال المسلم جميعها؛ سواءً كان ذلك في المساجد أو في البيوت أو حتّى في الطُّرقات؛ بهدف إظهار تلك الشعيرة.[٢١] ويكون التّكبير في عيد الأضحى مُستمرّاً ومتنوّعاً؛ حيث يُقسَم إلى تكبيرٍ مُطلَقٍ، وتكبيرٍ مُقيَّد، والتكبير المُقيَّد هو: التّكبير الذي يكون متبوعاً بالصّلوات؛ لذلك سُمِّي مُقيّداً، وابتداء هذا النوع من التكبير يكون من صباح يوم عرفة، ويستمرّ في يوم النّحر وأيّام التشريق، وينتهي عند غروب شمس آخر أيام التشريق الذي هو اليوم الرابع منها، أمّا التّكبير المُطلَق: فهو التكبير الذي لا وقت له ولا يقترن بفعل، فيأتي به المسلم في أوقات النهار جميعها، وتكون بداية وقته عند رؤية هلال شهر ذي الحجّة، وينتهي وقته عند غروب شمس آخر أيّام التشريق.[٢١] أمّا أفضل صيغ التكبير فهي أن يقول المسلم: (اللهُ أكبرُ كبيراً، والحمدُ للهِ كثيراً، وسبحانَ اللهِ بُكرة وأصيلاً، لا إلهَ إلا اللهُ، ولا نعبدُ إلا إيّاه مُخلصينَ لهُ الدِّينَ ولو كَرِه الكافرون، لا إله إلا الله وحدَهُ، صدقَ وعدَهُ، ونصرَ عبدَهُ، وهزمَ الأحزابَ وحدَهُ، لا إله إلا الله، والله أكبر)، أو أن يقول: (اللهُ أكبرُ الله أكبر، لا إلهَ إلا اللهُ، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد).[٢١]
بتصرف